تحلية مياه البحر.. وسيلة المملكة العربية السعودية لضمان الأمن المائي
رغم تهديد ندرة الماء الذي يحوم على المنطقة العربية منذ قرون لأسباب مناخية وجيولوجية، فإنّ الحديث حول مستقبل استدامة المياه تَصدّر واجهة النقاش خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً بعدما باتت أغنى الدول بالمنطقة التي تمتلك مصادر المياه الطبيعية كالأنهار، مهددة بالعطش، لوجودها في منطقة المصب بالنسبة إلى أنهارها الاستراتيجية، ما جعلها تحت تهديد انخفاض حصتها من المياه، كما الحال مع مصر والعراق.
وفي هذا السياق ،أفاد موقع "إندبندنت العربية" أن هذا التهديد يرفع من الأزمة التي تواجهها الدول العربية في توفير متطلباتها من المياه العذبة، فحسب تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية، تراجعت حصة المواطن العربي السنوية من 990 متراً مكعباً في 2005 إلى 800 متر مكعب من المياه العذبة المتاحة في 2015، أي انخفاض بـ20 في المئة تقريبا خلال 10 سنوات. هذا التغيير لدى دول كانت بعضها ترى نفسها بمنأى عن نقص المياه يوماً، يجعل من دول أخرى تقبع في واحدة من أكثر مناطق العالم جفافاً تفكّر مليا بمستقبلها المائي.
وتعد السعودية واحدة من أكبر دول العالم الخالية من مصادر المياه الطبيعية غير الناضبة، وهي في الوقت ذاته من أكثر دول العالم استهلاكاً للمياه، إذ يبلغ متوسط نصيب الفرد اليومي 278 لتراً، وفق آخر دراسة نشرتها الهيئة العامة للإحصاء في البلاد. فمن أين يجلب السعوديون المياه في ظل الظروف المناخية والجيولوجية التي يعيشها البلد الصحراوي العربي الخالي من الأنهار؟
وإن كانت الأنهار لا تمر بالسعودية، فالأمطار أيضاً ليست سمة مناخية معتادة فيها سوى في بعض المناطق جنوب البلاد. إلا أنّ كمية الأمطار خلال السنوات الماضية تشهد ارتفاعاً ملحوظاً عن السنوات التي سبقتها. ومن جهة أخرى، يستحوذ القطاع البلدي على معظم الهدر في ما يتعلق بالمياه الجوفية، فحسب ما أفادت به وزارة البيئة والمياه والزراعة فإن القطاع يسد 37% من حاجته باستهلاك المياه الجوفية، بينما يسد بقية حاجته من خلال مياه محلاة عبر محطات التحلية المنتشرة على طول السواحل السعودية.
وتحتل السعودية المركز الأول عالمياً من حيث إنتاج المياه المحلاة حسب الوزارة ذاتها. وتقول المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة السعودية، إنها تتولى إنتاج أكثر من 69% من مياه التحلية المستهلكة، والبقية تُنتج من خلال محطات القطاع الخاص المرخّص لها مزاولة العمل في البلاد. حيث يبلغ إنتاج هذه المحطات من المياه المحلاة أكثر من 6.6 مليون متر مكعب يومياً، وهذه الكمية تمثل نصف الإنتاج الخليجي من المياه المحلاة، كما تضيف ما نسبته 22.2 في المئة للإنتاج العالمي.
وتتولى المؤسسة سالفة الذكر عملية التحلية عن طريق 28 محطة مملوكة للمؤسسة الحكومية، موزّعة في مختلف مناطق البلاد، بينما تتشارك الحكومة مع القطاع الخاص في إدارة وتشغيل 4 محطات، بواقع محطتين في الشعيبة، وواحدة في كل من رأس الزور والشقيق. وتملك هيئة المدن الصناعية 3 محطات تهدف لتوفير المياه للمدن الصناعية، كجزء من الخدمات التي تقدّمها الرياض لقطاع الصناعة والبنية التحتية. ويتولى القطاع الخاص تشييد وتشغيل محطتين بملكية كاملة من دون أي مشاركة حكومية.
في حين تحتضن محافظة الوجه (غرب السعودية) المحطة الخيرية الوحيدة في البلاد، التي أنشئت من قِبل مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز الخيرية، بغرض توفير مصدر تحلية مياه مستقل للمحافظة، حيث ما زالت تعمل إلى اليوم. في حين لا تزال هناك 8 منشآت حكومية، لتحلية مياه البحر قيد الإنشاء. وما يكشف مدى شح المياه في السعودية وحاجتها إلى جهود أكبر لتوفير المياه الصالحة للشرب، هو عزم الرياض على بناء ثماني محطات أخرى خلال السنوات المقبلة، حسب تتجلى استراتيجية وزارة البيئة والمياه والزراعة في مختلف مدن ومناطق البلاد.