تقرير دولي يرصد تأثير التغيرات المناخية على جودة مياه الأنهار
تُشكّل التغيرات المناخية وارتفاع الجفاف والعواصف المَطِيرة تحديات خطرة أمام إدارة المياه ومدى جودتها. كما أن فهمنا الحالي لهذه القضية غير كافٍ، وفق أحدث تقرير صادر عن "الفريق الحكومي الدولي المعنيّ بتغير المناخ".
ولمواجهة ذلك، قامت مجموعة دولية من العلماء بجمع قدر كبير من الأبحاث التي تتناول جودة المياه في الأنهار في جميع أنحاء العالم. وتُظهر دراستهم المنشورة في دورية "نيتشر ريفيوز إرث آند إنفيرومنتال"، أن جودة مياه النهر تميل إلى التدهور خلال الأحداث المناخية القاسية. ومع ازدياد تواتر هذه الأحداث، فقد تتعرض صحة النظام البيئي وقدرة الإنسان للحصول على المياه الصالحة للشرب إلى تهديد متزايد.
وقد حَلّل البحث 965 حالة من التغيرات في نوعية مياه الأنهار أثناء الطقس القاسي، مثل الجفاف وموجات الحرارة الشديدة والعواصف الممطرة والفيضانات، وكذلك في ظل التغيرات طويلة المدى متعددة العقود في المناخ.
وحيث تقول أخصائية من جامعة "أوتريخت" بهولندا في بيان صحافي : "نظرنا إلى مكونات مختلفة لجودة المياه، مثل درجة الحرارة والأكسجين المذاب، ودرجة الملوحة وتركيز العناصر الغذائية، والمعادن، والكائنات الحية الدقيقة، وبقايا المواد الصيدلانية، والبلاستيك"، ويُظهر التحليل أن جودة المياه تميل في معظم الحالات إلى التدهور أثناء فترات الجفاف وموجات الحر (68 في المائة)، والعواصف المطيرة والفيضانات (51 في المائة)، وفي ظل التغيرات المناخية طويلة المدى (56 في المائة). وأثناء فترات الجفاف، تتوفر كمية أقل من المياه لتخفيف الملوثات، في حين تؤدي العواصف المطيرة والفيضانات عموماً إلى مزيد من الملوثات التي تتسرب من الأرض إلى الأنهار والجداول.
وتتركز معظم دراسات جودة المياه على الأنهار والجداول في أمريكا الشمالية وأوروبا، بينما تقلّ في إفريقيا وآسيا. ووفق الأخصائية المذكورة فإنه "بالمتابعة الشاملة سنكون قادرين على تطوير استراتيجيات فعالة لإدارة المياه التي يمكن أن تحمي وصولنا إلى المياه النظيفة".
ومن جهته، يؤكد أستاذ علوم البحار المساعد في كلية العلوم بجامعة أسيوط المصرية، الذي أجرى مع فريق من الباحثين دراسة حول تأثير تغير المناخ على جودة مياه نهر النيل، نُشرت في 7 غشت 2023، في دورية "إنفيرومنتال مونترينغ آند أسسيمنت"، قائلاً: "مع زيادة وتيرة السيول على الجبال بسبب تغير المناخ، تأخذ السيول معها المخصبات كالنتروجين والفوسفات وبعض العناصر الثقيلة كالرصاص والزئبق لمياه النهر، ومع ارتفاع درجة الحرارة تنتشر الطحالب التي تفرز سموماً تقتل الأسماك".
وتتوقع الدراسة خلال الأعوام السبعين المقبلة، أن تشهد أنظمة الأنهار فترات ذات مستويات منخفضة من الأكسجين يمكن أن تؤدي إلى "الموت بشكل كبير" لأنواع معينة من الأسماك وتهدد التنوع المائي. كما تقول أستاذة الهندسة المدنية والبيئية في ولاية بنسلفانيا وواحدة من باحثي الدراسة: "هذه دعوة للاستيقاظ"، مضيفة: "ما وجدناه له آثار كبيرة على جودة المياه وصحة النظم البيئية المائية في جميع أنحاء العالم".
واستخدم فريق الدراسة الذكاء الاصطناعي وأساليب التعلم العميق لإعادة بناء بيانات جودة المياه المتناثرة تاريخياً من نحو 800 نهرٍ عبر الولايات المتحدة وأوروبا الوسطى. ووجدوا أن الأنهار ترتفع درجة حرارتها وتزيل الأكسجين بشكل أسرع من المحيطات، الأمر الذي قد تكون له آثار خطرة على الحياة المائية وحياة البشر.
وأفاد أستاذ مساعد في قسم الهندسة المدنية والبيئية في ولاية بنسلفانيا والباحث الرئيسي في الدراسة أن: "درجة حرارة مياه النهر ومستويات الأكسجين المذاب من المقاييس الأساسية لجودة المياه وصحة النظام البيئي". في حين، شَدّد الباحث أن "انخفاض الأكسجين في الأنهار، أو إزالته، يؤدي إلى انبعاث الغازات الدفيئة وإطلاق المعادن السامة". وتوقع نموذج الدراسة أنه خلال الأعوام السبعين المقبلة، يمكن أن تموت أنواع معينة من الأسماك تماماً بسبب فترات أطول من انخفاض مستويات الأكسجين.